كيف حولت الثورة الرقمية العالم إلى قرية صغيرة؟
تعد الثورة الرقمية إحدى أبرز تجليات التطور التكنولوجي الذي يشهده
العصر الحالي، وأحد أكبر العناصر المؤثرة في الحياة الخاصة والعامة
للمواطنين، خاصة أن الناظر في الخطوط العريضة لهذه الثورة الرقمية يجد أنها
قد اجتاحت كل الجوانب الحياتية وتغلغلت داخل أغلب الأوساط المجتمعية، يحدث
كل ذلك على الرغم من العمر القصير جداً لهذه الطفرة المعلوماتية، حيث إن
البريد الإلكتروني لا يتجاوز 24 سنة، حينما قامت شركتا أمريكا أون لاين
وديلفي في سنة 1993، بربط خدماتهما البريدية عبر الإنترنت، إلا أنه على
الرغم من ذلك، استطاعت هذه التقنيات أن تؤثر على سلوكياتنا وعلاقاتنا
الأسرية والاجتماعية، فما هو حدود هذا التأثير؟ وما هي إيجابياته؟ وكيف
يمكن أن ينعكس ذلك على مستوى عدد من القطاعات؟
الحديث عن الثورة الرقمية، في نظر عدد من المختصين والمتتبعين، في الواقع، حديث عن نقلة كبرى في الوسائل والأساليب التي تنقل المعلومة، وفي سرعة تطور وتراكم المعلومات، وتدفقها السريع بدون ضوابط، بل وفي صيرورتها عنصراً لا غنى عنه من عناصر الإنتاج القادر على المنافسة في سوق مفتوحة على الجميع، ولذلك أيضاً فإن الحديث عن هذه الثورة هو بالضرورة حديث عن العولمة على اعتبار أن الثورة الرقمية هي إحدى أدواتها وآلياتها الأساسية.
- ثورة رقمية
ولعل أول ما ينبغي ملاحظته هو أن الثورة الرقمية، كادت تدخل كل بيت وتتناول في تأثيرها معظم البشر، فعلى سبيل المثال ذكرت صحيفة "اللايبو ليكا" الإيطالية في أحد أعدادها الصادر في سنة 1997، أنه يوجد في العالم آنذاك 1.28 مليار جهاز تلفزيون و690 مليون مشترك على جهاز الهاتف، منهم 80 مليون اشتراك بالهاتف الخلوي، و200 مليون حاسوب، منها 30 مليوناً مربوطة على الإنترنت، وتوقعت الصحيفة أن يصل عدد المتواصلين عبر الإنترنت إلى 600 مليون جهاز تربط مليار مشترك، وقدرت كلف قطاع صناعة الاتصالات بما يعادل 10% من الاقتصاد العالمي، وقدر عدد الأشخاص الذين استخدموا الإنترنت خلال سنة 1995 وحدها بعشرة ملايين شخص، ليرتفع هذا الرقم إلى مليار مع حلول سنة 2000، فيما يمكن أن يتضاعف مرات أخرى مع انطلاق هذه السنة، وهكذا يمكن القول إن الإنسان على امتداد الكرة الأرضية قد أصبح متأثراً بصورة أو بأخرى بهذه الثورة المخترقة للحدود وللعقول معاً.
ومن الإيجابيات الكبرى لهذه الثورة الرقمية أنها سهلت الاتصالات بين الأفراد والمجتمعات وقصرت المسافات بينهم حتى إنه يمكن القول إنها حولت العالم بأكمله إلى قرية صغيرة، كما أنها أنشأت ما بات يعرف بـ"الكتاب الرقمي"، بحيث أن هذا الكتاب يمكِّن مستخدمه من القراءة والتسجيل والبحث، بل والمشاركة والنقاش مع الآخرين عبر الشبكة العالمية والشبكات الاجتماعية، كما يمكنه من حمل كتب كثيرة جداً في جهاز خفيف الوزن لا يكاد يجاوز 200 غرام، بمعنى أن المكتبة التي كان الصاحب بن عباد ينقلها معه أينما حل وارتحل، كما يقول الدكتور المهدي السعيدي، أستاذ الأدب العربي بجامعة ابن زهر بأكادير، على قافلة من الجمال، "نستطيع الآن أن ننقلها في جهاز صغير خفيف لا يكاد يجاوز في حجمه كتاباً متوسط الحجم"، مضيفاً أن لهذه الثورة الرقمية حسنات أخرى تعود بالنفع على المحيط البيئي الذي يعيش فيه الإنسان من نباتات وأشجار وغابات..، "بمعنى أن نشر محتوى موقع معين من شأنه أن يقضي على جزء كبير من غابة الأمازون، ويمكن أن نقيس على ذلك البريد الإلكتروني والكتب الرقمية، وغير ذلك.. فجهاز القراءة الواحد يمكننا من قراءة آلاف الكتب، واختصار الحيز المكاني الذي يمكن أن تشغله هذه الكتب في البيت، خاصة في زمن البيوت والشقق الضيقة، بحيث أنه لو تمت كتابة جميع ما ورد في موقع "تويتر" من النصوص لاحتاج الأمر إلى آلاف من المدن الضخمة ذات الكلفة العالية فيما يخص تملك العقار شراء وكراء".
على المستوى الوطني، للثورة الرقمية أدور مهمة في الرفع من وتيرة تنمية المجتمع المغربي، وقد ساعدت عملية خصخصة مجال الاتصالات في فتح الباب أمام الشباب للارتباط بشبكة الإنترنت، بل وأضحت الشبكة العنكبوتية مجالاً واسعاً للمساهمة في البحث العلمي، وفي هذا الإطار يعد قطاع التعليم من القطاعات الأكثر استفادة من هذه الثورة الرقمية، خاصة على مستوى التعليم الإعدادي والثانوي وما فوق، بحيث بدأ التلاميذ والطلبة يحتكون مع المجال الإعلامي، من خلال توجه المؤسسات التعليمية نحو تقريب المعلومات والإنترنت منهم، بحثاً عن الجودة التي من شأنها أن تعمل على تحسين مستواهم العلمي، وتعمل كذلك على ترشيد سلوكهم القيمي والأخلاقي، ومن المرجح أن تكون جميع المؤسسات التعليمية الوطنية قد استفادت، قبل سنتين من الآن، من خدمات شبكة الإنترنت.
أما بخصوص باقي القطاعات، فقد سبق لوزارة تحديث القطاعات العامة، أن نشرت دراسة حول خرائطية استعمال المعلومات والاتصال بالقطاعات العامة، في إطار تتبع تطور استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصال بالقطاعات العامة، واستهدفت هذه الدراسة القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية، وبلغ مجموع المؤسسات، التي شملتها هذه الدراسة، 278 إدارة، بزيادة 22 إدارة، مقارنة بسنة 2008، وأفادت الدراسة أن أكثر من ثلثي المؤسسات العمومية الكبرى تتوفر على بنيات تنظيمية للمعلوميات، مرتبطة مباشرة بالقيادات الإدارية، في حين لا تتعدى 45 في المئة في القطاعات الوزارية، وأن 48 في المئة فقط من القطاعات الوزارية تتوفر على مخطط مديري لنظم المعلومات، كما لا تتجاوز نسبة المؤسسات العمومية التي تتوفر على هذا المخطط 37 في المئة، بينما أزيد من 56 في المئة من الإدارات تتوفر على مخطط لأمن نظم المعلومات، وسجلت المؤسسات العمومية الكبرى أعلى مستوى في التوفر على هذا المخطط.
وذكرت الدراسة أن متوسط تجهيز الإدارات بالحواسيب يقدر بحاسوب واحد لكل ثلاثة موظفين، بينما بلغ هذا المؤشر حاسوباً واحداً لكل موظفَين اثنين بالنسبة للقطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية الكبرى، وفاق عدد المقرات المجهزة بشبكة محلية على مستوى الإدارات المركزية والمصالح الخارجية 80 في المئة، كما ناهزت المقرات المتصلة عبر الشبكة بمقراتها المركزية في المؤسسات العمومية الكبرى 85 في المئة، مقابل نحو 61 في المئة في القطاعات الوزارية، ونحو 25 في المئة بالنسبة للمؤسسات العمومية الأخرى.
وبذلك تكون الثورة الرقمية قد تغلغلت داخل جميع المؤسسات، الشيء الذي يؤكد أن المغرب واعٍ كل الوعي بمدى أهمية هذه الأدوات والآليات التقنية الحديثة، ومدى قدرتها على المساهمة في الرفع من قيمة ومكانة البلاد والعباد.
كما أن لهذه الثورة الرقمية إيجابيات، فإن لها بالمقابل سلبيات تؤدي بشكل مباشر إلى إلحاق الضرر بالأفراد والمجتمعات على السواء، ومن هذه الأضرار التأثير السلبي على العلاقات الاجتماعية، بحيث أن هذه الوسائل التقنية التي جعلت لتخدم الإنسان وتكون تحت تصرفه حتى يساهم في تطور وتقدم مجتمعه، أصبحت تحكمه وتسجنه داخل عالمها الخاص، فمثلاً وسائل التواصل مع الأهل والأقارب عن طريق الأجهزة الجادة لا شك أنها مفيدة، لكنها لا يمكن أن تحل محل التواصل المباشر وأن تكون بدلاً منه، إذ إن ذلك من شأنه أن يقيم السدود بين المرء ومجتمعه، مما قد يؤدي مستقبلاً إلى إضعاف الوشائج والروابط المجتمعية، كما أن هذه الوسائل قد تحمل لمجتمعنا الإسلامي بعض الأفكار والإيديولوجيات الخاطئة التي تمقتها قيمنا الحضارية والدينية والتي من شأنها أن تفسد عقول شبابنا وتقودهم نحو الأسوأ.
غير أن الأسوأ من كل ذلك هو أن هذه الثورة الرقمية قد تتحول إلى وسيلة للاتجار في السموم، وفي هذا الإطار ذكر تقرير لهيئة الأمم المتحدة أن شبكة الإنترنت تعد إحدى أهم وسائل الاتجار بالمخدرات، بل إنها الوسيلة الأكثر فعالية، ففي سنة 1995 قدرت الهيئة قيمة تجارة المخدرات غير المشروعة بنسبة 8% من قيمة التجارة العالمية، أي ما يتجاوز قيمة تجارة المركبات أو الحديد الصلب، كما أن غسل الأموال الذي يقدر صندوق النقد الدولي أنه يعادل نسبة تتراوح بين 2 و5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، يحدث ذلك في ثوان معدودة بواسطة ضغطة واحدة على "فأرة" الحاسوب، وبذلك وغيره يتزايد نفوذ الجريمة المنظمة التي يقدر أنها تحصد 1.5 ترليون دولار سنوياً.
الحديث عن الثورة الرقمية، في نظر عدد من المختصين والمتتبعين، في الواقع، حديث عن نقلة كبرى في الوسائل والأساليب التي تنقل المعلومة، وفي سرعة تطور وتراكم المعلومات، وتدفقها السريع بدون ضوابط، بل وفي صيرورتها عنصراً لا غنى عنه من عناصر الإنتاج القادر على المنافسة في سوق مفتوحة على الجميع، ولذلك أيضاً فإن الحديث عن هذه الثورة هو بالضرورة حديث عن العولمة على اعتبار أن الثورة الرقمية هي إحدى أدواتها وآلياتها الأساسية.
- ثورة رقمية
ولعل أول ما ينبغي ملاحظته هو أن الثورة الرقمية، كادت تدخل كل بيت وتتناول في تأثيرها معظم البشر، فعلى سبيل المثال ذكرت صحيفة "اللايبو ليكا" الإيطالية في أحد أعدادها الصادر في سنة 1997، أنه يوجد في العالم آنذاك 1.28 مليار جهاز تلفزيون و690 مليون مشترك على جهاز الهاتف، منهم 80 مليون اشتراك بالهاتف الخلوي، و200 مليون حاسوب، منها 30 مليوناً مربوطة على الإنترنت، وتوقعت الصحيفة أن يصل عدد المتواصلين عبر الإنترنت إلى 600 مليون جهاز تربط مليار مشترك، وقدرت كلف قطاع صناعة الاتصالات بما يعادل 10% من الاقتصاد العالمي، وقدر عدد الأشخاص الذين استخدموا الإنترنت خلال سنة 1995 وحدها بعشرة ملايين شخص، ليرتفع هذا الرقم إلى مليار مع حلول سنة 2000، فيما يمكن أن يتضاعف مرات أخرى مع انطلاق هذه السنة، وهكذا يمكن القول إن الإنسان على امتداد الكرة الأرضية قد أصبح متأثراً بصورة أو بأخرى بهذه الثورة المخترقة للحدود وللعقول معاً.
ومن الإيجابيات الكبرى لهذه الثورة الرقمية أنها سهلت الاتصالات بين الأفراد والمجتمعات وقصرت المسافات بينهم حتى إنه يمكن القول إنها حولت العالم بأكمله إلى قرية صغيرة، كما أنها أنشأت ما بات يعرف بـ"الكتاب الرقمي"، بحيث أن هذا الكتاب يمكِّن مستخدمه من القراءة والتسجيل والبحث، بل والمشاركة والنقاش مع الآخرين عبر الشبكة العالمية والشبكات الاجتماعية، كما يمكنه من حمل كتب كثيرة جداً في جهاز خفيف الوزن لا يكاد يجاوز 200 غرام، بمعنى أن المكتبة التي كان الصاحب بن عباد ينقلها معه أينما حل وارتحل، كما يقول الدكتور المهدي السعيدي، أستاذ الأدب العربي بجامعة ابن زهر بأكادير، على قافلة من الجمال، "نستطيع الآن أن ننقلها في جهاز صغير خفيف لا يكاد يجاوز في حجمه كتاباً متوسط الحجم"، مضيفاً أن لهذه الثورة الرقمية حسنات أخرى تعود بالنفع على المحيط البيئي الذي يعيش فيه الإنسان من نباتات وأشجار وغابات..، "بمعنى أن نشر محتوى موقع معين من شأنه أن يقضي على جزء كبير من غابة الأمازون، ويمكن أن نقيس على ذلك البريد الإلكتروني والكتب الرقمية، وغير ذلك.. فجهاز القراءة الواحد يمكننا من قراءة آلاف الكتب، واختصار الحيز المكاني الذي يمكن أن تشغله هذه الكتب في البيت، خاصة في زمن البيوت والشقق الضيقة، بحيث أنه لو تمت كتابة جميع ما ورد في موقع "تويتر" من النصوص لاحتاج الأمر إلى آلاف من المدن الضخمة ذات الكلفة العالية فيما يخص تملك العقار شراء وكراء".
على المستوى الوطني، للثورة الرقمية أدور مهمة في الرفع من وتيرة تنمية المجتمع المغربي، وقد ساعدت عملية خصخصة مجال الاتصالات في فتح الباب أمام الشباب للارتباط بشبكة الإنترنت، بل وأضحت الشبكة العنكبوتية مجالاً واسعاً للمساهمة في البحث العلمي، وفي هذا الإطار يعد قطاع التعليم من القطاعات الأكثر استفادة من هذه الثورة الرقمية، خاصة على مستوى التعليم الإعدادي والثانوي وما فوق، بحيث بدأ التلاميذ والطلبة يحتكون مع المجال الإعلامي، من خلال توجه المؤسسات التعليمية نحو تقريب المعلومات والإنترنت منهم، بحثاً عن الجودة التي من شأنها أن تعمل على تحسين مستواهم العلمي، وتعمل كذلك على ترشيد سلوكهم القيمي والأخلاقي، ومن المرجح أن تكون جميع المؤسسات التعليمية الوطنية قد استفادت، قبل سنتين من الآن، من خدمات شبكة الإنترنت.
أما بخصوص باقي القطاعات، فقد سبق لوزارة تحديث القطاعات العامة، أن نشرت دراسة حول خرائطية استعمال المعلومات والاتصال بالقطاعات العامة، في إطار تتبع تطور استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصال بالقطاعات العامة، واستهدفت هذه الدراسة القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية، وبلغ مجموع المؤسسات، التي شملتها هذه الدراسة، 278 إدارة، بزيادة 22 إدارة، مقارنة بسنة 2008، وأفادت الدراسة أن أكثر من ثلثي المؤسسات العمومية الكبرى تتوفر على بنيات تنظيمية للمعلوميات، مرتبطة مباشرة بالقيادات الإدارية، في حين لا تتعدى 45 في المئة في القطاعات الوزارية، وأن 48 في المئة فقط من القطاعات الوزارية تتوفر على مخطط مديري لنظم المعلومات، كما لا تتجاوز نسبة المؤسسات العمومية التي تتوفر على هذا المخطط 37 في المئة، بينما أزيد من 56 في المئة من الإدارات تتوفر على مخطط لأمن نظم المعلومات، وسجلت المؤسسات العمومية الكبرى أعلى مستوى في التوفر على هذا المخطط.
وذكرت الدراسة أن متوسط تجهيز الإدارات بالحواسيب يقدر بحاسوب واحد لكل ثلاثة موظفين، بينما بلغ هذا المؤشر حاسوباً واحداً لكل موظفَين اثنين بالنسبة للقطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية الكبرى، وفاق عدد المقرات المجهزة بشبكة محلية على مستوى الإدارات المركزية والمصالح الخارجية 80 في المئة، كما ناهزت المقرات المتصلة عبر الشبكة بمقراتها المركزية في المؤسسات العمومية الكبرى 85 في المئة، مقابل نحو 61 في المئة في القطاعات الوزارية، ونحو 25 في المئة بالنسبة للمؤسسات العمومية الأخرى.
وبذلك تكون الثورة الرقمية قد تغلغلت داخل جميع المؤسسات، الشيء الذي يؤكد أن المغرب واعٍ كل الوعي بمدى أهمية هذه الأدوات والآليات التقنية الحديثة، ومدى قدرتها على المساهمة في الرفع من قيمة ومكانة البلاد والعباد.
كما أن لهذه الثورة الرقمية إيجابيات، فإن لها بالمقابل سلبيات تؤدي بشكل مباشر إلى إلحاق الضرر بالأفراد والمجتمعات على السواء، ومن هذه الأضرار التأثير السلبي على العلاقات الاجتماعية، بحيث أن هذه الوسائل التقنية التي جعلت لتخدم الإنسان وتكون تحت تصرفه حتى يساهم في تطور وتقدم مجتمعه، أصبحت تحكمه وتسجنه داخل عالمها الخاص، فمثلاً وسائل التواصل مع الأهل والأقارب عن طريق الأجهزة الجادة لا شك أنها مفيدة، لكنها لا يمكن أن تحل محل التواصل المباشر وأن تكون بدلاً منه، إذ إن ذلك من شأنه أن يقيم السدود بين المرء ومجتمعه، مما قد يؤدي مستقبلاً إلى إضعاف الوشائج والروابط المجتمعية، كما أن هذه الوسائل قد تحمل لمجتمعنا الإسلامي بعض الأفكار والإيديولوجيات الخاطئة التي تمقتها قيمنا الحضارية والدينية والتي من شأنها أن تفسد عقول شبابنا وتقودهم نحو الأسوأ.
غير أن الأسوأ من كل ذلك هو أن هذه الثورة الرقمية قد تتحول إلى وسيلة للاتجار في السموم، وفي هذا الإطار ذكر تقرير لهيئة الأمم المتحدة أن شبكة الإنترنت تعد إحدى أهم وسائل الاتجار بالمخدرات، بل إنها الوسيلة الأكثر فعالية، ففي سنة 1995 قدرت الهيئة قيمة تجارة المخدرات غير المشروعة بنسبة 8% من قيمة التجارة العالمية، أي ما يتجاوز قيمة تجارة المركبات أو الحديد الصلب، كما أن غسل الأموال الذي يقدر صندوق النقد الدولي أنه يعادل نسبة تتراوح بين 2 و5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، يحدث ذلك في ثوان معدودة بواسطة ضغطة واحدة على "فأرة" الحاسوب، وبذلك وغيره يتزايد نفوذ الجريمة المنظمة التي يقدر أنها تحصد 1.5 ترليون دولار سنوياً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق