0
في وقت من الأوقات وفي أرض نعلمها جميعًا، كان الإنترنت مجرد نظرية، لم يكن هناك هواتف ذكية ولا آيفون، لم تكن هناك أجهزة لوحية أو آي باد ولم يكن هناك أجهزة لابتوب ولا رسائل قصيرة، لم يكن هناك شبكات اجتماعية، والعصافير فقط هي التي كانت تغرد.
منالصعب علينا اليوم أن نتخيل الحياة في ذلك الوقت وكيف نجونا منها ولكننا نجونا بالفعل، ومرت السنون والفصول ومضى القرن العشرون وبدأنا فصلًا جديدًا من حياة البشرية ببداية القرن الواحد والعشرين، حيث أصبحت التكنولوجيا هي القوة المسيطرة والمؤثرة في المجتمع، أصبح لدينا كل شيء كان لدينا مسبقًا ولكن متبوعٌ بكلمة “ذكي”، هواتف ذكية، منازل ذكية، أسلحة ذكية، ملابس ذكية وروبوتات ذكية ومركبات فضائية تجوب الفضاء بحثًا عن المجهول، وبحكم العادة أصبحنا لا نرى أي إعجاز فيما نستخدمه من تقنيات، بل وننتظر المزيد ونتوقع الأعجب، فقد أطلقت التكنولوجيا العنان لمخيلاتنا وطموحاتنا ورغباتنا وبتنا في حالة ظمأ وشغف ولهفة طوال الوقت.
نحن البشر نستخدم التكنولوجيا لتغيير أسلوب حياتنا منذ اللحظة الأولى لنا على الأرض، تعلمنا في البداية كيفية استخدام الأدوات الحجرية ثم أعجبنا اللون البرونزي فاستخدمنا النحاس، ثم أذهلتنا قوة الحديد فكان الأداة الأساسية لنا بعد ذلك. في البداية كانت عضلاتنا وسيلتنا للسعي في هذا الكوكب ثم اكتشفنا أن الحيوانات مناسبة لهذه الوظيفة أكثر منا وفي نهاية المطاف استولت الماكينات على مكان الثيران والأحصنة.
لقد استفادت البشرية من الزحف التكنولوجي بطرق لا يمكن أن نحصيها في كلمات مقالنا هذا، لقد بتنا نحظى بأعمار أطول وحياة صحية أكثر وزادت قدراتنا على الاكتشاف والإبداع والتعلم، لقد سمحت لنا التكنولوجيا بأن نتواصل بطرق لا يمكن حتّى ليوهانس غوتنبرج مخترع الطباعة أن يتخيلها، فأصبح باستطاعنا أن نتبادل المعلومات والمعرفة بسرعة الضوء. مع ذلك، لا يزال هناك من يؤمن بأن التكنولوجيا ستكون سبب سقوط البشرية وانهيارها مثل الكاتب ألدوس هوكسلي Aldous Huxley حيث قال ذات مرة:
“لقد وفر لنا التقدم التكنولوجي مجرد وسيلة أكثر كفاءة للرجوع إلى الوراء”.
Businessman with cloud computing concept
كان راي برادبوري Ray Bradbury كاتب الخيال العلمي الذي ألهم الكثيرين لإبداع تقنيات جديدة، كان على نفس القدر من التشاؤم، عندما رغبت شركة ياهوو في وضع أحد كتبه على الإنترنت كان رده: “إلى الجحيم معكم وإلى الجحيم مع الإنترنت، إنه إلهاء، إنه بغير معنى، إنه ليس حقيقيًّا”. من يدري، ربما تكون التكنولوجيا بالفعل أداة دمارنا المستقبلية، ولكن لحين حدوث ذلك سنستمر في القيام بما نقوم دائمًا، خلق معجزات جديدة تلهم وتبهر كل من يراها. في السطور القادمة سنتعرف إلى خمسة حالمين أفادت رؤاهم واكتشافاتهم التكنولوجية البشرية بشكل مذهل، بعضهم قد تكون سمعت بهم من قبل وبعضهم لا ولكن كلاهما دفع بحدود العلم إلى ارتفاعات جديدة غير مسبوقة.

تيم بيرنيرز لي Tim Berners-Lee

لولا تيم بيرنرز لي لما كان بإمكانك أن تقرأ هذا المقال الآن، بل يمكننا القول أنه لولاه لما كان هناك ما يسمى بالشبكة العالمية أو World Wide Web وهي الحروف الثلاثة الأولى التي تكتبها قبل اسم كل موقع تحاول الدخول إليه. ساهم تيم في اختراع الإنترنت عام 1989، فالإنترنت كما سنبين لاحقًا ليس اختراع شخص أو شركة واحدة وإنما نتاج عمل وإنجازات متعددة قام بها أشخاص كثر منهم تيم بيرنرز. بدأت الفكرة في أواخر العقد السادس من القرن الماضي، في ذلك الوقت أرادت الحكومة الأمريكية من العلماء أن يطوروا نظام اتصالات خاص بهم، وبعد ذلك بعدة سنوات بدأت الكليات والجامعات في إنشاء شبكات الكومبيوتر الخاصة بهم لتبادل ومشاركة المعلومات.
تيم بيرنرز لي
في عام 1989 اخترع العالم البريطاني تيم بيرنرز بروتوكول hypertext transfer protocol الذي يعرف اختصارًا بـHTTP والذي يمكنك أن تجده أيضًا قبل اسم معظم مواقع الإنترنت التي تقوم بزيارتها اليوم. كانت فكرة تيم في ذلك الوقت عمل شبكة من أجهزة الحاسوب التفاعلية ليتمكن العلماء في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية سيرن CERN من مشاركة المعلومات فيما بينهم، ولكنه أدرك أن نظامه يمكن تطبيقه عالميًّا. بفضل بروتوكول HTTP أصبح بإمكاننا مشاهدة النصوص والصور على أجهزة الحاسوب حول العالم من خلال أجهزتنا بمجرد نقرة بسيطة على لوحة المفاتيح، على سبيل المثال بالنقر على هذا الرابط يمكنك أن ترى لقطة مأخوذة من أول موقع إنترنت في العالم.
World Wide Web: تعرف اختصارًا بـ WWW أو W3، وهي عبارة عن نظام من ملفات النصوص التشعبية المترابطة والتي يتم الوصول إليها عبر الإنترنت، يمكن عن طريق متصفح الويب تصفح صفحات الويب (ملفات النصوص التشعبية Hypertext) التي تحتوي على نصوص وصور وفيديو والتنقل بينهم باستخدام الارتباطات التشعبية Hyperlinks.
 HTTP: عبارة عن بروتوكول لنقل البيانات والمعلومات وهو حجر الأساس للشبكة العالمية WWW، يستخدم هذا البروتوكول لنقل النصوص التشعبية hypertext، وهي ملفات يمكن أن تحتوي نصوصًا أو صورًا أو فيديو ويمكن التنقل بينها عبر الروابط التشعبية hyperlinks.

إرنا شنيدر هوفر Erna Schneider Hoover

بفترة قبل وجود الهواتف الذكية أو المحمولة، كانت هناك الهواتف الأرضية وكانت بمثابة الثورة التقنية في ذلك الوقت. في عام 1967 كان هناك العديد من الناس الذين يستخدمون الهواتف لدرجة أن عدد المكالمات كانت تسبب مشكلة كبيرة للعاملين في شركة بيل للتلفونات، الشركة التي أنشأها ألكساندر جراهام بيل في عام 1877 والتي أخذت على عاتقها مهمة تقديم خدمة الاتصالات التلفونية في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا إلى أن تم تقسيمها لعدة شركات صغيرة في عام  1984 على يد وزارة العدل الأمريكية.
مركز اتصالات مونتريال
كانت هوفر تحمل درجة دكتوراه في الرياضيات والفلسفة وكانت تعمل في شركة بيل خلال فترة الستينيّات. عندما ثقل كاهل الشركة بعدد المكالمات الزائد أرادت أن تستبدل نظام التبديل أو تحويل المكالمات لديها من نظام ميكانيكي بآخر أكثر سرعة وكفاءة، حيث يتم الاعتماد في النظام الميكانيكي على أشخاص يقومون بتوصيل الهواتف الصادرة عنها المكالمات بالأخرى التي يجب أن تقوم باستلامها يدويًّا.
وبينما كانت هوفر في المستشفى تضع مولودتها الثانية وضعت خطتها لإنشاء أول نظام تحويل مكالمات إلكتروني أو آلي يعتمد على الكومبيوتر، حيث يراقب الكومبيوتر معدل المكالمات خلال أوقات مختلفة من النهار، وبفضل هذا الابتكار قامت بتخفيف الأحمال عن نظام الشركة وحصل المستخدمون على خدمات أفضل خلال أوقات الذروة ومازالت شركات الاتصالات تستخدم هذا النظام إلى يومنا هذا.

راضيا بيرلمان Radia Perlman

perlman speech

غالبًا ما يُشار إليها بأم الإنترنت، راضيا بيرلمان اخترعت خوارزمية Spanning Tree Protocol أو STP في عام 1985 وهي خوارزمية تسمح لنا بتبادل المعلومات عبر الإنترنت بطريقة موثوقة وأكثر كفاءة، يحافظ بروتوكول STP على استمرار تدفق المعلومات عبر شبكة الكومبيوتر بحيث إذا فشل أحد أجهزة الكومبيوتر أو بعضها يقوم STP  بتوفير مسار آخر فعّال بحيث تبقى الشبكة متصلة ويستمر تدفق المعلومات بشكل طبيعي. خلال فترة عملها تقدمت راضيا وحصلت على 80 براءة اختراع وما زالت إلى اليوم مغمورة كليًّا في بحر الإنترنت خاصة في أنظمة الحماية.

ستيف جوبز Steve Jobs

أعتقد أن رجلًا كهذا قد لا يخفى على الكثير منّا، فقد ذاع صيته كثيرًا في السنوات الأخيرة، توفي ستيف جوبز في عام 2011 بسبب إصابته بسرطان البنكرياس، وقد أنشأ شركة لا خلاف على أنها من كبرى الشركات في العالم، رجل حالم وعبقري ومبدع قاد شركة أبل حتى أصبحت من الشركات الرائدة في مجال التكنولوجيا. قدم أفكارًا وأجهزةً جديدة مختلفة ساهم بها في خلق ثورة في طريقة استخدامنا للمعلومات والمحتوى وفي طرق تواصلنا في العصر الرقمي. وقد غيّر كذلك شكل صناعة الكومبيوتر والموسيقى والأفلام والاتصالات اللاسلكية.
ستيف جوبز
يعرف بصفات كثيرة أهمها القيادة والمثابرة، اجتمع ستيف جوبز في عام 1976 مع ستيف وزنياك لبناء أول كومبيوتر أبل في مرآب منزل والداه وقد باع حوبز سيارته لتمويل هذا المشروع، في السنة التالية كشفت أبل عن جهازها الثاني والذي أحدث تغييرًا جذريًّا وثورة كبيرة وقتها، في عام 1986 غادر جوبز أبل بعد صراع متعلق بالقيادة والإدارة ولكنه عاد بعدها بعشرة سنوات مرة أخرى، وقد كانت لجوبز طريقته الخاصة في إلهام كل من حوله وكانت له طريقته الخاصة في توبيخهم أيضًا.

بيل جيتس Bill Gates

إن لم تسمع عنه بصفته رائدًا من رواد الثورة التقنية، فبالتأكيد قد سمعت عنه لكونه أغنى البشر على هذا الكوكب، ليس هذا فحسب ولكنه أيضًا قد يكون أكرم شخص تقابله في حياتك، فقد تبرع بما يعادل 28 مليار دولار من أجل محاربة الجوع والأمراض حول العالم، تخرج بيل جيتس من جامعة هارفارد وأنشأ أكبر شركة لبرمجيات الكومبيوتر في العالم، مايكروسوفت.
بيل جيتس
لم يكن لبيل جيتس أن يكون أغنى رجل في العالم إن لم يكن مبدعًا بارزًا في مجال التقنية في القرنين العشرين والواحد والعشرين، فقد غير جيتس عالم الكومبيوتر تمامًا وقلبه رأسًا على عقب، نشأ بيل في مدينة سياتل الأمريكية وكان محبًا للكتب والقراءة وكان نابغًا في عدة مجالات أهمها العلوم والرياضيات، وشغفه بالحاسوب في صغره كان محرك الثورة التي أحدثها بعد ذلك في عالم التقنية. صادق بيل في الثانوية شخصًا يدعى بول ألين، وعند بلوغه الخامسة عشرة بدأا مشروعًا مشتركًا معًا، وهو تطوير برنامج كومبيوتر لمراقبة نماذج المرور والازدحام في مدينة سياتل، وكان هذا المشروع سبب تعلقه فيما بعد بالكومبيوتر والمعمل. بعد أن تخرج كلاهما من الجامعة وعملا في وظيفة مؤقتة في إحدى الشركات الهندسية الكبرى، قررا إنشاء شركتهما الخاصة مايكروسوفت وقاما بتطوير نظام تشغيلها الخاص الشهير ويندوز، في ذلك الوقت كان نظام MS-DOS ذو الشاشة السوداء هو الشائع والذي يجب أن تحفظ العديد من الأوامر لتتمكن من استخدامه وتصفح المعلومات الموجودة على الحاسب، ولكن نظام ويندوز قدم بديلًا سهلًا ليتمكن المستخدمون من تصفح أي شيء بمجرد الإشارة والضغط عليه.