أهمية التعليم المتعدد اللغات
* أهمية التعليم المتعدد اللغات:
تشير نتائج الأبحاث إلى أن التعليم الثنائي أو متعدد اللغات القائم على اللغة الأم تعليم ذو تأثير إيجابي على التعلم وعلى نتائجه، وفى الوقت ذاته تركز نتائج الدراسات على أهمية التدريس باللغة الأم، ولا سيما في المرحلة الابتدائية حيث غيابها يؤثر بالسلب على نمو الطلاب اللغوي والعاطفي وولائهم للغتهم وثقافتهم، وهذا ما تؤكده كثير من الدراسات الأجنبية والعربية التي تلح على أن اللغة الأم هي الأساس في التعليم.
إن تعلم المزيد من اللغات، يطور أداء الدماغ بشكل ملحوظ. فالأطفال متعددي اللغات يمكنهم التعامل بيسر مع العالم من حولهم، والأكثر من هذا أن عقولهم تصبح أكثر مرونة من عقول نظرائهم في العمر وفي المدرسة.
التعليم المتعدد اللغات يؤدى بالمثل إلى التسامح اللغوي والثقافي من خلال استكشاف المزيد من التقاليد والثقافات، وعليه فهم أعمق لخصوصيات العرقيات المختلفة في البلاد.
إتقان أكثر من لغة يساعد على مزيد من الفهم للثقافة المحلية التى يتواجد الشخص فى بيئتها، إن التواصل مع الناس فى الحياة اليومية والمهنية بأكثر من لغة يساعد على فهم الثقافة المحلية بشكل أعمق، كما أن قدرة الشخص على التعامل بأكثر من لغة يعني قيمة مُضافة لسيرته الذاتية.
حرص الشخص على تعلم أكثر من لغة منذ صغره يجعله يعبر عن نفسه بشكل أكثر عمقاً .. فقد يجد في لغة من اللغات كلمات يسهل بها التعبير عن نفسه قد لا يكون لها مقابلاً فى لغته الأم.
يُشار إلى التنوع الثقافي إلى وجود ثقافات مختلفة و كلاَ منها يتبادل الاحترام لهذه الاختلافات. وتستخدم في بعض الأحيان عبارة "التنوع الثقافي" بمعنى تنوع المجتمعات البشرية أو الثقافات في منطقة معينة أو في العالم ككل. وتعتبر اللغة من إحدى مظاهر التنوع الثقافى الذى يتضمن على الدين والعادات والتقاليد أيضاً.
فقد تميزت مختلف الحضارات والأمم بلغاتها الخاصة على مر العصور، حيث تعتبر هي الركن الأساسى الذي تقوم الثقافة عليه، كما أنها تعد أحد مظاهر الاختلاف بين الحضارات والأمم، حيث نجد كل أمة تفتخر وتتباهى بمزايا لغتها، بالإضافة إلى أنها تحرص على تعليمها للجميع بشكل دائم، فهي البوابة التي تستخدم للتعرف على جميع الحضارات، والتمازج بين الشعوب في كافة أنحاء الأرض.
إن تعلم الطفل الصغير للغة الثانية فى سن مبكرة تعرضه لضغط إدراكى الذى يكون فى بعض الجوانب مفيد، وفى البعض الآخر سلبى حيث يضعه فى تحدٍ. فتعلم الطفل للغة ثانية هو خيار من جانب الآباء له تأثير دائم على الطفل لأنه يمثل ضغطاً على مراكز تعلم اللغة فى مخه وقد يواجه الطفل بعض الاضطرابات الإدراكية التى تغيب عن الطفل الذى يتعلم لغة واحدة .. لذا لابد وأن يكون الآباء على دارية كافية بالجوانب السلبية لتعلم الطفل لغة ثانية فى السن الصغيرة قبل اكتمال نمو خلايا المخ لديهم.
إرهاق الطفل إدراكياً:
أشار الخبراء أن تعلم اللغة الثانية فى سن مبكرة قبل العشر سنوات قد لا يتقنها الطفل بنفس المستوى الذى يكون بعد هذه السن وخاصة فى سن المراهقة من من سن 11 أو 12 عاماً، وذلك لأن الطفل الصغير مازالت قدراته الإدراكية محدودة وفى حالة نمو وتطور لأن نمو الذكاء يصل إلى ذروته حين يصـل الطفل لسن الخامسة عشر ويظل مستوى الذكاء ثابتاً حتى بلوغ سن الأربعين .. إلا أن تعلم اللغة فى السن الصغيرة يتيح نطقها بشكل أقرب إلى اللغة الأم أى أن جودة نطقها تتزايد فى السن الصغيرة بخلاف سرعة تعلمها التى تكون بعد سن العشر سنوات.
الخلط بين اللغتين:
من الشائع لدى الأطفال فى السن الصغيرة عند تعلمهم اللغة الثانية هو الخلط بين كلمات اللغتين عند
التحدث بالأخرى والذى يسمى بالخلط الكودى (Code-mixing)، فعندما يجرى الطفل حديثاً مع الآخرين يستعين بكلمات من اللغة الثانية فى اللغة التى يستخدمها .
التعثر فى تعلم اللغة:
تعلم الطفل الصغير لأكثر من لغة فى آن واحد يحد من عدد الكلمات التى يتعلمها فى الوقت المحدد له فى السن العمرية التى يكون عليها، ومثالا ًعلى ذلك نجد أن الطفل ما بين 1 إلى 3 أعوام يتعلم ما يقرب من 20 كلمة فى الشهر، لكنه إذا تعلم لغة أخرى بجانب اللغة الأم فهذا معناه تعلمه 10 كلمات فى اللغة الثانية و10 كلمات فى اللغة الأم فى الشهر الأمر الذى يؤثر على اكتسابه مهارات اللغة الأصلية له.
اختلافات ثقافية مربكة:
عندما يقرر الشخص الكبير أو المراهق تعلم اللغة الثانية فهى على وعى تام باختياره وذلك لرغبته التى تنبع إما للحصول على فرصة عمل يتوق إلى شغلها أو لمتطلبات دراسية، لكن الطفل وهو مازال فى سنه الصغيرة فإن تعلمه اللغة الثانية لا يكون باختياره وإنما هو اختيار لرغبة والديه لإعداده لمستقبله المهنى.
وهنا يقع الطفل فى حيرة بالغة لتعلمه لغتين كل لغة لها خلفية ثقافية وحضارية وتتوافر بها المعلومات المتنوعة والمختلفة التى قد تحدث ارتباك لديه .. الأمر الذى يؤثر على هوية الطفل التى تظهر لاحقاً فى مرحلة المراهقة.
الضعف فى تحصيل كلا اللغتين:
إن وقوع الطفل الصغير فى حيرة لتعلم لغتين اللغة الأم واللغة الثانية قد يؤدى إلى تأخر فى اكتساب كلا اللغتين فهو لا يجيد اللغة الأم ولا يجيد اللغة الثانية .. وعدم قدرته على التركيز تضعه فى عبء أكبر لتحسين مستواه التعليمى الذى قد يظهر فى سنوات لاحقة بعد ازدياد المناهج تعقيداً من اللجوء إلى دروس تقوية وإضافية لتحسين مستواه التعليمى.
خلل فى استيعاب الطفل وفهمه للعلوم:
إن الإفراط في استخدام اللغة الثانية، بحيث تتحول من لغة يدرسها إلى لغة يتعلم بها كل العلوم والمواد الدراسية وخاصة العلوم المنطقية والطبيعية مثل الرياضيات والفيزياء فى المراحل الدراسية المتقدمة، تجعل الفهم لدى الطالب أقل مما لو تعلمها بلغته الأم.
* مدى تأثر اللغة الأم فى ظل التعليم المتعدد اللغات:تفتيت الهوية القومية:
إن تدريس لغة أجنبية بخلاف اللغة الأم وخاصة في المرحلة الأساسية وتحولها من لغة يدرسها الطفل إلى لغة يتعلم بها كل العلوم والمواد الدراسية سيؤدي إلى تفتيت الثقافة والهوية القومية والمتمثلة باللغة الأم، فهي ليست مفردات وتراكيب نحوية فحسب .. وإنما هي وعاء لثقافات وعادات وقيم للناطقين بها وما يترتب على ذلك من تأثير على وجدان المتعلم.
عرقلة تعلم اللغة الأم:
الطفل فى سنه الصغيرة وخاصة فى مرحلة الحضانة ما بين (3 - 6 سنوات) وهى مرحلة الطفولة المبكرة يكون بأمس الحاجة إلى تعلم لغته الأصلية وتدريب عضلات اللسان والأحبال الصوتية عليها فى بداية نموها ليصبح أكثر قدرة على التعبير اللغوى الصحيح نطقاً وكتابة، لكن إذا أُضيفت لغة أخرى إلى جانب لغته الأم فهذا سوف يعرقل من تقدمه فى تعلمها ويؤخر نموه اللغوى. ومن هنا ينبغى تأخير مرحلة تعليم اللغة الثانية حتى يفرغ الطفل من إتقان لغته الأصلية حينها لا خوف عليه من إتقان لغة أخرى بجانب لغته الأم.
صعوبة فهم اللغة الأم لدى المتحدث الأصلى بها:
التباين فى الوحدات والتراكيب اللغوية بين اللغات قد يؤثر سلباً على اللغة الأم. ومثالاً على ذلك إذا قورنت اللغة العربية بالإنجليزية من حيث التراكيب النحوية واللغوية والصوتية فسوف نلاحظ اختلافاً كبيراً بينهما مما يصيب الطفل بحالة من الارتباك تجعله يجد صعوبة فى فهم تراكيب لغته الأم.
تأثر التواصل باللغة الأم:
إن اللغة هي المقوم الأساسي لأي أمة باعتبارها أداة التفكير التي تبين وتحدد المفاهيم والقيم والمعاني، فهيمنة اللغة الأجنبية على مختلف مناحي الحياة يؤدي إلى خلق عجز في التواصل اللغوي الاجتماعي داخل الأسرة ومن ثَّم داخل المجتمع بأسره، فكيف سوف يتم التواصل بين ابن يجيد لغة أجنبية وبين أب لا يجيد إلا لغته الأم ومن هنا يحدث صعوبة الاتصال اللغوي والاجتماعي داخل الأسرة باعتبارها النواة الأولى للمجتمع مما يؤدى إلى وجود حالة من الانفصام اللغوي.
* إشكالية الهيمنة اللغوية:
أصبح هناك لغات بذاتها مهيمنة دون غيرها، ولم تستطع لغات أخرى مقاومة التدفق اللغوى القادم من الخارج مما يهدد بقائها كلغة قومية. وبما أن اللغة جزء لا يتجزأ من الهوية الاجتماعية، فلابد من تحقيق التفاعل بين اللغة الأم وباقي اللغات الأجنبية التى يتعلمها الفرد وخاصة من خلال وسائل الاتصال الحديثة، فى إطار ما يسمى بعالمية الثقافة القائمة على مبدأ الاعتراف بالتعدد اللغوي دون انصهار لغة في قالب لغة أخرى ومحاولة طمسها، وهذا في إطار الحفاظ على العلاقة القائمة بين اللغة والمجتمع في تحقيق التواصل الاجتماعي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق